الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في مهرجان كان: فيلم "EO" للمخرج البولوني سيرجي سكوليمفسكي: بؤس الإنسان من منظور حمار

نشر في  22 ماي 2022  (10:42)

 بقلم الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

تتوالى عروض الافلام الواحدة تلوى الآخرى، في الدورة 75 لمهرجان كان السينمائي، بنسق متسارع لا يسمح بالتوقف الكافي للتحليل المستفيض. لا نسع اذا إلا أن نستعرضها مع الحرص على الوقوف على أهم ما تتطرحه من قضايا. العملية صعبة ولكن لا هروب من مجابهتها حتى لو اقتضى الأمر منا العودة لاحقا إلى الأهم.

الخميس 19 في المسابقة الرسمية، الحدث كان فيلم المخرج البولوني سيرجي سكوليمفسكي. عنوانه حرفان من ابجديات اللغات اللاتينية "EO".

لا فائدة في البحث العقلاني في معنى هذا العنوان. لا فائدة أصلا في محاولة فهم الفيلم على الشاكلة التقليدية. طريق الولوج لمعاني العمل عبر المسالك المعتادة لن يؤدي لشئ يذكر. مقاربة سكوليمفسكي خارجة عن التقاليد المعهودة. لسبب أوّلي بسيط : الشخصية الرئيسية للفيلم ليس إنسانا بل وجهة النظر ليست وجهة إنسانية. والحيوان هنا ليس أي حيوان. شخصيتنا التي لن نفارقها من بداية الشريط هي حمار. نعم هناك سابقة هامة في تاريخ السينما وهي

Au hasard Balthazar de Robert Bresson

لا يوجد مقال هام كتب عن الفيلم لم يتعرض لهذه السابقة، الكلّ ذكر بريسون لا سيما أنّ سكوليمفسكي نفسه عبّر عن قيمة هذا الفيلم بالنسبة إليه ومدى تأثره به. يقول إنّ وقعه أدى به إلى حدّ البكاء. ولا يمكن إلاّ أن نشاطره في ذلك نظرا لتفرّد هذا العمل. ولكن إعادة صنع فيلم بريسون أو ما يسمى بالريمايك جاء في أسلوب يختلف جوهريا عن أسلوب السينمائي الفرنسي. نحن بعيدون كل البعد عن ينسينية بروسون والاقتصاد الكلاسيكي المميز لأسلوبه:

Nous sommes aux antipodes de l’épure classique d’inspiration janséniste de Robert Bresson

باروكية مفرطة لا تترك مجالا لعدم المبالاة. عمل مثير للغاية والأمر ليس غريبا على سكوليمفسكي. من شاهد "11 دقيقة" فيلمه السابق يعلم ذلك جيدا. ابتعاده عن سلالة البشر ورفضه للانتروبومرفية جعله يلتجئ إلى منظور كلب نلتمس من خلاله بؤس المجتمع الإنساني. حمارنا في العمل الأخير "EO" تبدأ حكايته كحكاية حمار بريسون بقصة عطف مع صاحبته الأولى. هنا يتحول الأمر إلى قصّة حب لا يزول أثرها بل تعود باستمرار كذكرى مؤسسة لشخصية الحيوان. يتعرض إلى أشنع أنواع المعاملة الإنسانية. تنعكس الصورة فلا نرى البشر إلا من خلال وعي الحمار.

تتوالى المشاهد، ننتقل من سرك إلى اسطبل من الريف إلى المدينة، من شخصية إلى أخرى دون خيط رابط من الخيوط الدرامية الكلاسيكية. دليلنا عبث الكيان البشري، فقدانه لأي نوع من القيّم، دون أي ضرورة لملازمة شخصية محددة إلا تلك الفتاة العاشقة للحمار، ترجع صورتها من حين إلى حين لتذكرنا بالإستثناء المنقضي. من هنا يأتي هذا النوع من المونطاج السريالي، مونطاج ممزوج بحركات غريبة للكاميرا وألوان ستروبوسكوبية وموسيقى مدويّة لعالم مُنتهٍ لا امكانية تقبّل له سوى إمكانية تقبّله من خلال ضمير الحمار.

سمفونية غريبة عجيبة مثيرة للغاية، نتاج لتحرر كامل من القيود الكلاسيكية في الكتابة السينمائية، حرية مطلقة على خلفية نظرة يائسة من الكيان البشري.

هل لشريط سكوليمفسكي أمل في نيل جائزة ما ؟ رهان صعب والإجابة عن السؤال اصعب. إن كان الأمر كذلك فالمفاجأة ستكون مدوّية.